]فضل الصلاة على النبي
فضيلة الشيخ / صلاح نجيب الدق
قال ابن القيم: «معنى صلاة اللَّه على النبي -صلى الله عليه وسلم-: الثناء على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والعناية به، وإظهار شرفه، وفضله وحرمته، وصلاتنا على النبي -صلى الله عليه وسلم- : تعني ...
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:
فإن للصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- منزلة كبيرة في قلب كل مسلم، لذا سوف نتحدث بإيجاز عن الأحكام الفقهية المتعلقة بها، فنقول وبالله التوفيق:
قال اللَّه -تعالى- في كتابه العزيز: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيم﴾ [الأحزاب: 56].
قال ابن كثير -رحمه اللَّه-: «المقصود من هذه الآية أن اللَّه أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر -تعالى- أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه من أهل العالَمَيْنِ، العلوي والسفلي جميعًا».[تفسير ابن كثير جـ3 ص514].
فائدة هامة: لماذا خُصَّ المؤمنون بالسلام دون اللَّه والملائكة؟
الجواب: لأن السلام هو تسليم النبي -صلى الله عليه وسلم- مما يؤذيه، فلما جاءت هذه الآية عقيب ذِكْر ما يؤذي النبي -صلى الله عليه وسلم-: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيم﴾ [الأحزاب:53]، والأذية إنما هي من البشر، فناسب التخصيص بهم والتأكيد، وإليه الإشارة بما ذكره بعده».[الفتوحات الإلهية للعجيلي جـ3 ص454].
معنى الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-:
قال أبو العالية: «صلاة اللَّه ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء –أي: أنَّ الملائكة تطلب من اللَّه الزيادة من ثنائه على النبي-».
وقال ابن عباس: «يصلون: يَُبِّركون» -أي: يدعون له بالبركة- [البخاري -كتاب التفسير- باب 10].
قال الحليمي: «معنى الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-: تعظيمه، فمعنى قولنا: اللهم صلِّ على محمدٍ: عظِّم محمدًا».
قال ابن حجر: «المراد تعظيمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه، وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمته، وإبداء فضيلته بالمقام المحمود».
وقال أيضًا: «معنى صلاة اللَّه على نبيه: ثناؤه عليه وتعظيمه، وصلاة الملائكة وغيرهم: طلب ذلك له من اللَّه -تعالى-، والمراد طلب الزيادة، لا طلب أصل الصلاة». [فتح الباري جـ11 ص16].
وقال ابن القيم: «معنى صلاة اللَّه على النبي -صلى الله عليه وسلم- : الثناء على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والعناية به، وإظهار شرفه، وفضله وحرمته، وصلاتنا على النبي -صلى الله عليه وسلم- : تعني أننا نطلب من اللَّه الزيادة في ثنائه على النبي -صلى الله عليه وسلم- وإظهار فضله وشرفه وتكريمه وتقريبه له». [جلاء الأفهام ص261، 262]
معنى التسليم على النبي -صلى الله عليه وسلم-:
«التسليم: معناه السلام، الذي هو اسم من أسماء اللَّه -تعالى-، ومعنى التسليم أيضًا: لا خلوت يا محمد من الخيرات والبركات، وسلمت من المكاره والآفات والنقائص، فعندما نقول: اللهم سَلِّم على محمد، فإنها تعني: اللهم اكتب لمحمد في دعوته وأمته وذكره السلامة من كل نقص، فيزداد على مَرِّ الأيام عُلوًا، وأمته تكاثرًا، وذِكْره ارتفاعًا».[فضل الصلاة على النبي للشيخ عبد المحسن العبَّاد ص88]
حُكم الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-:
الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فرض على كل مسلم بالغ عاقل، مرة واحدة في العمر، وما عدا ذلك فهي سنة مستحبة. [الشفا للقاضي عياض جـ2 ص62]
فضل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-:
جاء في فضل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث كثيرة، سوف نذكر بعضًا منها:
1- روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من صلى عليَّ صلاة واحدة، صلى اللَّه عليه عشرًا).[مسلم حديث 408]
2- روى النسائي عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من صلى عليَّ صلاة واحدة، صلى اللَّه عليه عشر صلوات، وحُطت عنه عشر خطيئات، ورُفعت له عشر درجات).[حديث صحيح: صحيح النسائي للألباني جـ1 ص415]
3- روى النسائي عن ابن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن للَّه ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام).[حديث صحيح: صحيح النسائي للألباني جـ1 ص410]
4- روى الطبراني عن أبي الدرداء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من صلى عليَّ حين يصبح عشرًا وحين يُمسي عشرًا أدركته شفاعتي يوم القيامة).[حديث حسن: صحيح الجامع للألباني حديث 6357]
5- روى الترمذي عن أُبي بن كعب قال: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ذهب ثُلثا الليل قام فقال: يا أيها الناس: اذكروا اللَّه، اذكروا اللَّه، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه، قال أُبيٌّ: فقلت: يا رسول اللَّه، إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي عليك ؟ قال: ما شئت، قلت: الربع ؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك. قلت: فالنصف ؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قلت: فالثلثين ؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك». قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذا تُكْفَى هَمَّك ويغفر ذنبك).[حديث حسن: صحيح الترمذي للألباني حديث 1999]
قال المنذري: قوله: «فكم أجعل لك من صلاتي» معناه: إني أكثر الدعاء، فكم أجعل لك من دعائي صلاة عليك؟» [الترغيب والترهيب جـ2 ص389]
وقال المباركفوري: قوله: «أجعل لك صلاتي كلها» أي أصرف بصلاتي عليك جميع الذي كنت أدعو به لنفسي. وقوله: «إذًا تُكفى همك» يعني إذا صرفت جميع أزمان دعائك في الصلاة عليَّ أُعطيت خَيْريْ الدنيا والآخرة. [تحفة الأحوذي جـ7 ص129، 130]
التحذير من ترك الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- عمدًا:
1- روى الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (رَغِمَ أنفُ رجل ذُكرتُ عنده فلم يصلِّ عليَّ). [حديث صحيح: صحيح الترمذي حديث 2870] رغم أنف: يعني لصق بالتراب ذلاً وهوانًا.
2- روى الترمذي عن علي بن أبي طالب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (البخيل مَنْ ذُكِرْتُ عنده فلم يصلِّ عليَّ). [حديث صحيح، صحيح الترمذي حديث 2811]
3- روى الترمذي عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما جلس قوم مجلسًا لم يذكروا اللَّه فيه، ولم يصلوا على نبيهم، إلا كان عليهم ترة (حسرة وندامة) فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم).[حديث صحيح: صحيح الترمذي حديث 2691]
صفة الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-:
سوف نذكر أصح صيغ الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يلي:
1- روى الشيخان عن كعب بن عُجْرة قال: (خرج علينا النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقلنا: يا رسول اللَّه، قد علمنا كيف نُسلِّم عليك، فكيف نصلي عليك ؟ قال: قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد). [البخاري حديث 6357، ومسلم حديث 406]
2- روى الشيخان عن أبي حميد الساعدي قال: قالوا: يا رسول اللَّه، كيف نصلي عليك؟ قال: (قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزوجه وذريته كما باركت على إبراهيم، إنك حميد مجيد) [البخاري حديث 2369، ومسلم 407]
3- روى النسائي عن زيد بن خارجة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (صلوا عليَّ واجتهدوا في الدعاء، وقولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد).[حديث صحيح: صحيح النسائي جـ1 ص414]
حُكم جهر المؤذن بالصلاة على النبي بعد الأذان:
إن جهر كثير من المؤذنين بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- عقب الأذان بدعة لم يفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمؤذنون في عهده، ولم يفعلها الصحابة والخلفاء الراشدون والتابعون مع عِلْمهم بفضل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحرصهم على الطاعات، ولو كان ذلك خيرًا لسبقونا إليه، ومن المعلوم أن ألفاظ الأذان عبادة مبنية على التوقيف، لا يجوز الزيادة فيها ولا النقصان.
روى البخاري عن عائشة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). [البخاري 2697]
قال الإمام مالك بن أنس: «من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- خان الرسالة؛ لأن اللَّه -تعالى- يقول: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِين﴾ [المائدة:3]، فما لم يكن يومئذ دينًا، فلا يكون اليوم دينًا». [الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم جـ6 ص225]
حكم الصلاة على غير نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-:
سوف نتناول الحديث عن هذه المسألة من عِدة وجوه بإيجاز شديد:
أولاً: الصلاة على الأنبياء والمرسلين: قال ابن القيم: «سائر الأنبياء والمرسلين يُصلى عليهم ويُسلَّم». [جلاء الأفهام ص627]
روى البيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (صلوا على أنبياء اللَّه ورسله فإن اللَّه بعثهم كما بعثني) [حديث حسن: صحيح الجامع للألباني حديث 3782]
ثانيًا: الصلاة على آل نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- جميعًا بمعنى أن نقول: اللهم صلِّ على آل محمد. قال ابن القيم: «آل النبي -صلى الله عليه وسلم- يُصلي عليهم بلا خلاف بين الأمة». [جلاء الأفهام ص636]
ثالثًا: هل يُصلى على آل نبينا محمد منفردين؟ بمعنى أن يفرد واحد منهم بالذكر، فيُقال: اللهم صلِّ على علي، أو اللهم صلِّ على الحسن أو الحسين أو فاطمة ونحو ذلك، وهل يُصلى على أحد من الصحابة ومَنْ بَعْدهم ؟
قال الإمام النووي -رحمه اللَّه- عند الإجابة عن هذين السؤالين: «الصحيح، الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه، لأنه شعار أهل البدع، وقد نُهينا عن شعارهم». [الأذكار للنووي ص159]
قال ابن القيم: «إن الرافضة إذا ذكروا أئمتهم يصلون عليهم بأسمائهم، ولا يصلون على غيرهم ممن هو خير منهم وأحب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فينبغي أن يُخالفوا في هذا الشعار».[جلاء الأفهام ص640]
فائدة هامة: قال الإمام النووي: «اتفق العلماء على جواز جَعْل غير الأنبياء تبعًا لهم في الصلاة، فيُقال: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه، للأحاديث الصحيحة في ذلك، وقد أُمرنا به في التشهد، ولم يزل السلف عليه خارج الصلاة أيضًا». [الأذكار للنووي ص160]
حُكْمُ قول: فلان -عليه السلام-:
فَرَّق أهل العلم بين السلام والصلاة، فقالوا: السلام يُشرع في حق كل مؤمن، حي وميت، حاضر وغائب، فإنك تقول: بَلِّغ فلانًا مني السلام، وهو تحية أهل الإسلام، ولذا يجوز أن نقول: فلانٌ -عليه السلام-. وأما الصلاة فإنها من حقوق الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولهذا يقول المصلي: السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، ولا يقول: الصلاة علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين. [جلاء الأفهام ص639، 640]
أوقات الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-:
ذكر أهل العلم أوقاتًا وأحوالاً يُستحبُ عندها أن نصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، يمكن أن نوجزها فيما يلي:
1- بعد ترديد نداء المؤذن للصلوات المفروضة.
2- عند دخول المسجد والخروج منه.
3- بعد التشهد الأخير في الصلاة.
4- عقب دعاء القنوت.
5- في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية.
6- قبل الدعاء وبعده على الإطلاق.
7- عند خطبة الجمعة والعيدين والاستسقاء وغيرها.
8- عند ذِكْر اسمه -صلى الله عليه وسلم- أو كتابته.
9- عند الصفا والمروة في الحج والعمرة.
10- يوم الجمعة.
11- عند الصباح والمساء.
12- عند ختام المجلس.
13- عند إلقاء دروس العلم وختامها.
14- بين التكبيرات أثناء صلاة العيدين. [الشفا للقاضي عياض جـ2 ص66- 72، جلاء الأفهام ص463، 611]
ثمرات الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-:
ذَكَر الإمام ابن القيم ثمرات للصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، يُمكن أن نجملها فيما يلي:
1- أنها امتثال لأمر اللَّه -تعالى-.
2- سبب للحصول على الحسنات ورفع الدرجات ومحو السيئات.
3- شفاعته يوم القيامة لمن يصلي عليه.
4- أنها سبب لقرب المسلم من النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة.
5- أنها سبب لصلاة اللَّه والملائكة على المسلم.
6- أنها سبب لإجابة الدعاء.
7- أنها سبب لمغفرة الذنوب وجلاء الهموم.
8- أنها سبب لطيب المجلس.
9- أنها تنفي عن قائلها صفة البخل.
10- أنها سبب لدوام محبة قائلها للنبي -صلى الله عليه وسلم- وزيادتها.
11- أنها متضمنة لِذْكر اللَّه وشكره، ومعرفة نعمه على عباده بإرساله النبي -صلى الله عليه وسلم- لهداية الناس.
12- أنها سبب للبركة في ذات المصلي وعمره وعمله وأسباب مصالحه. [جلاء الأفهام ص612، 626]
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.