ونحن جميعاً نستعد لشهر رمضان الواجب الأول علينا وعلى زوجاتنا وعلى أولادنا وعلى بناتنا أن يستعدوا لتلاوة آيات الصيام وفهمها واستيعابها كما أمر الله، قبل تجهيز المأكولات وقبل إعداد المشروبات. عليهم جميعاً أن يقرأوا هذه النصائح والتوجيهات التي أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وعندما نزلت هذه الآيات جمع رسولكم الكريم صلى الله عليه وسلم أصحابه وتلاها عليهم، ثم بين لهم الآداب الواجب عليهم إتباعها
فقال في خطبة جامعة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى? صِيَامَهُ فَرِيضَةً وَقِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعاً، مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى? فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى? فَرِيضَةً فِيهِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى? سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ، وَالصَّبْرُ ثَوَابُهُ الْجَنَّةُ، وَشَهْرُ الْمُوَاسَاةِ، وَشَهْرٌ يُزَادُ فِيهِ رِزْقُ الْمُؤْمِنِ، مَنْ فَطَّرَ فِيهِ صَائِماً كَانَ لَهِ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِ وَعِتْقَ رَقَبَتِهِ مِنَ النَّارِ، وَكَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ، يُعْطِي اللَّهُ تَعَالَى? هذَا الثَّوَابَ مَنْ فَطَّرَ صَائِماً عَلَى مُذْقَةِ لَبَنٍ أَوْ تَمْرَةٍ أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ، وَمَنْ أَشْبَعَ صَائِماً سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ حَوْضِي شَرْبَةً لاَ يَظْمَا حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، وَهُوَ شَهْرٌ: أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ، وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ، وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ، فَاسْتَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ خَصْلَتَانِ تُرْضُونَ بِهَا رَبَّكُمْ، وَخَصْلَتَانِ لاَ غِنَىً لَكُمْ عَنْهُمَا، فَأَمَّا الْخَصْلَتَانِ اللَّتَانِ تُرْضُونَ بِهِمَا رَبَّكُمْ: فَشَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَتَسْتَغْفِرُونَهُ وَأَمَّا اللَّتَانِ لاَ غِنى? بِكُمْ عَنْهُمَا: فَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَتَعُوذُونَ بِهِ مِنَ النَّارِ}{1}
فالمؤمن استعداده وتجهيزه لشهر رمضان بما ذكرت يطلب من الله التوبة ليتوب إلى الله مما جناه ويدخل على هذا الشهر باراً تقياً لله، يقرأ أبواب الصيام ليحكم أمر الصيام فيتقبله الله بقبول حسن، ينظر إلى المنهاج النبوي الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم للصائمين وهو قوله صلى الله عليه وسلم: {الصِّيامُ جُنَّةٌ فَاذَا كان أحَدُكُمْ يَوْماً صَائِماً} ماذا عليه؟ {فَلا يَجْهَلْ وَلا يَرْفُثْ، فإنِ امْرُؤٌ قاتلهُ أَوْ شَتَمَهُ فَلْيَقُل: إِنِّي صائِمٌ إِنِّي صائمٌ}{2}
هذا هو ما يقوله المسلم وليس ماذا يوجد للإفطار؟ وماذا يعد للسحور؟ لأن هذا الشهر كما قال فيه الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة183
حدد الهدف وهو التقوى، وجعل هذا الشهر معسكراً فرضه علينا الله لنحصل في نهايته على شهادة بأننا أنقياء لله، أتقياء لله، مغفوراً لنا ذنوبنا من عند الله، قمنا بالأوامر التي فرضها علينا الله وأعطانا إجابة الدعاء التي ذكرها في آخر البيان القرآني، فمن صام كما أمر الله فأولئك يقول لهم وفيهم الله {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} البقرة186
قريب منه في كل وقت، وفي كل زمن، وفي كل مكان، وأجيب دعوة الداع إذا دعان بليل أو بنهار، في مسجد أو في عمل أو في حقل أو في شارع لأنه استجاب لداع الله وأمر بالصيام كما أمر الله.
وإذا كان الإنسان يجد من رفاقه في المنزل تبرماً من الصيام، أو من زملائه في العمل تبرماً من الصيام عليه أن يشرح لهم ما تيسر من الحكم التي من أجلها فرض الله الصيام حتى لا يحرموا من الأجر والثواب فإن من صام وهو متضرر أو متبرم ليس له أجر عند الله، مثل الذي يأتي في أول النهار أو في وسطه ويقول لماذا طال هذا اليوم؟ لماذا لم يؤذن المغرب؟ لماذا لم ينتهِ هذا الشهر؟ هذا الكلام نسمعه كثيراً وكل من يقول مثل هذا الكلام فقد نفص عمله وصيامه في شهر رمضان، ومثل هذا علينا أن نشرح له الحكمة من الصيام.
إذاً فما الحكمة من الصيام؟ الصوم جنَّة يعني وقاية، وقاية من ماذا يا رسول الله؟ العزيز الحكيم الذي خلق فسوى يعلم الذي يصلح هذا الجسد والذي يفسده وجاء بهذا الكتالوج الإلهي القرآن الكريم ليعرفنا كيف نشغل هذا الجسم، فأخبرنا أن في الجسد أعضاء تعمل في الليل وفي النهار، وأعضاء تستريح بالليل كالعين والفم واليد والرجل والفكر والحس
هذه الأعضاء تستريح ليلاً لكن المعدة والقلب تعملان بالليل وبالنهار فالإنسان يكون نائماً والقلب يعمل والمعدة تتحرك وهذه المعدة من غريب صنع الله أنها لا تهضم الطعام إلا في وجود بعض الطفيليات التي تعيش عليها فهي من فضل الله تفرز إنزيمات خاصة تعمل على هضم الطعام وكثرتها تتعب المعدة وقلتها تؤذى المعدة ولا بد أن تكون بحساب معلوم قرره الحي القيوم
ولأن الإنسان يأكل طوال العام فيزيد معدل تكاثرها فتحتاج إلى الحد منها فكانت فريضة الصيام، يجوع الإنسان فيها بالنهار فتكون فرصة للإقلال من هذه الفطريات والطفيليات التي تعيش فى معدة الإنسان والتي هو محتاج إليها ولكن بقدر معلوم وأنتم جميعاً تعلمون أن أرضنا التي تكثر زراعتها يقل إنتاجها. ما علاجها؟
نريحها عاماً من الزمان ونحرثها ونقلبها ونتركها للشمس حتى تقتل الآفات التي تسكن بها، فإذا زرعناها في العام التالي جاءت بإنتاجها ومحصولها المعتاد، فأيضاً المعدة يتحسن جدارها وتنزوى طفيلياتها وتستريح أعضاءها لكي تستطيع أن تكمل لك المسيرة التي حددها لها الصانع الذي هو الله، فكل واحد منا قدر له الصانع زمن معلوم إذا انتهى زمانه رجع إلى ما خلق منه {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} طه55
إذاً الصيام لراحة المعدة وليس لإتخامها آخر النهار بالأكل فهي متخمة طوال العام ولذلك عندما ننظر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين فقهوا الحكمة عندما ذهب إليهم الطبيب هدية من المقوقس حاكم مصر ردوه ولم يكن عندهم مستشفى ولا عيادة لماذا؟ لأنهم مشوا على منهاج الله ونفذوا الكتاب والكتالوج الذي أنزله عليهم الله فعاشوا في أمن وعافية من الله في الدنيا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} النحل97
وفي الآخرة حياتهم طيبة هنيئة
فالمجاري التي يجرى فيها الدم الشرايين والأوردة توصل الغذاء وتوصل الدم وتوصل الماء وترجع ثانية الفضلات هذه الأوردة والشرايين لأننا نأكل طوال العام قد تنسد بالدهون التي تترسب فيها وتجعل الإنسان عرضة لتصلب الشرايين أو عرضة للضغط أو عرضة للكوليسترول أو غيرها من الأمراض التي سببها الرئيسي أن مجرى الدم ينسد، فلا بد من فترة راحة حتى يتطهر هذا المجرى
فالصائم الذي ينام طوال النهار لا يحقق حكمة الصيام، لكن الذي يعمل كالمعتاد عند الظهر ينفذ الزاد فتتحول المعدة إلى المخزون الزائد لتتخلص منه من الخلايا الزائدة والدهون الزائدة فتذيبها وتقوم بتحويلها إلى مواد سهلة الامتصاص يتغذى الفرد عليها، إذاً هذه الفترة لتطهير الشرايين والأوردة والأعضاء كلها من السموم الزائدة، ومن المأكولات الزائدة الموجودة في المخازن التي أوجدها الله ليحجز فيها ما زاد عن الإنسان وقت الحاجة
فهناك مخزن تحت الجلد يخزن فيه الدهن الزائد، ومخزن في الكبد يخزن فيه السكر الزائد عن حاجة الإنسان وهذه المخازن تفرغ كل ما فيها في رمضان لأن الزيادة كما تعلمون جميعاً نتيجتها الأمراض التي نراها في عصرنا. وعلى ذلك يمكننا أن نقول أن الغرض الأول من الصيام تصحيح جسمك وتصحيح بدنك ووقاية معدتك ووقاية أعضائك من الأمراض ومن الأعراض التي يشكو منها بني الإنسان
ولذلك تنبه أهل الغرب أخيراً إلى هذه الحقيقة وإن لم يؤمنوا بالإسلام، فالمصحات الطبية عندهم اليوم أحسن من المستشفيات عندنا، والعلاج الأساسي في هذه المصحات الصيام كصيام المسلمين لمدة شهر في العام تبدأ من شروق الشمس إلى غروبها، هناك مصحات في روسيا وفي المجر وفي السويد والنرويج كلها لعلاج الإنسان ليس بالأدوية ولا بالعقاقير وإنما بالصيام الذي تفضل به علينا وعليكم العلي القدير، عندما يعلم المسلم هذه الحكمة سوف يقبل على الصيام وهو فرح ومسرور.
{1} عن سليمان الفارسي رواه ابن خزيمة في صحيحه والبيهقي ورواه أبو الشيخ ابن حبان في الثواب.
{2} عن معاذ بن جبل أخرجه البخارى عن أبي هريرة (الصيام جنة) رواه مسلم والنسائى والبخارى.